ما حكم النيابة في الحج عن المسلم؟

حكم النيابة في الحج

النيابة في الحج أمرٌ يشغل بال بعض الناس، حيث أن أداء الحج فرض على من استطاع إليه سبيلاً، وهو ركن من أركان الإسلام، ولكن هل يجوز للمسلم النيابة في الحج، أي أن يؤدي أداء الحج عن شخص آخر بنية النيابة؟

فلنتابع جواب هذا السؤال…

 

حكم النيابة في الحج

باتفاق أهل العلم، النيابة في الحج جائزة ومقبولة للمسلم العاجز عن أداء الفريضة بنفسه، بينما لا تجوز للقادر لغيره.

 

تفصيل حكم النيابة في الحج

الحج فرضٌ على كل مسلم ومسلمة استطاعوا إليه سبيلاً، حيث يقول الله عز وجل:

(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [1]سورة آل عمران، الآية: 97

وبالنسبة لمسألة النيابة في الحج يتفق أهل العلم على أنّ تفصيله قد جاء على وجهين:

وسيتم توضيح ما جاء في هذين الوجهين في الفقرتين المقبلتين: 

اقرأ أيضاً: حكم التمائم في الإسلام 

النيابة في الحج عن القادر عليه

بإجماع أهل العلم، القادِرُ على الحجِّ لا يجوز أن يكلف شخصاً آخر لينوب عنه في أداء هذه الفريضة.

ونقلَ الإجماعَ على هذا القول كلٌّ من ابن قدامة وابنُ المُنذِر وابنُ حَجَر وآخرون.

قال ابنُ المنذر بهذا الخصوص:

“أجمعوا أنَّ مَن عليه حجَّةُ الإسلام، وهو قادِرٌ؛ لا يُجزئ إلَّا أن يحُجَّ بنَفْسِه، ولا يُجْزِئ أن يحُجَّ عنه غيرُه”[2]ابن المنذر، الإجماع، الصفحة: 59

وقال ابن قُدامة:

“لا يجوزُ أن يستنيبَ مَن يقدِرُ على الحجِّ بنَفْسِه في الحجِّ الواجِبِ إجماعًا”[3]ابن قدامة، المغني، الجزء 3، الصفحة 223

وقال ابن حجر:

” اتَّفقَ من أجاز النيابةَ في الحجِّ على أنَّها لا تُجزئ في الفَرْضِ إلَّا عن موتٍ أو عَضبٍ، فلا يدخُلُ المريضُ؛ لأنَّه يُرجى بُرْؤُه، ولا المجنونُ؛ لأنَّه تُرجى إفاقَتُه، ولا المحبوسُ؛ لأنَّه يُرجى خلاصُه، ولا الفقيرُ؛ لأنَّه يُمكِن استغناؤُه، والله أعلم”[4]ابن حجر، فتح الباري، الجزء 4، الصفحة 70

إذن فالمسلم القادِرِ على بلوغ الحج ببدنه، لا يسقط عنه الفرض ولا يَنتقل إلى غيره.

النيابة في الحج عن العاجز

في النيابة في الحج عن العاجز يتفق أهل العلم على أنه يجوز، ويحق للعاجز ممن لا يرجى براؤه أن ينوب عنه أحد آخر. ومن لا يرجى براؤه هو من به مرض مُزمن لا يُرتجى شفاؤه أو من هو هرم وطاعن في السن.

وهذا الرأي هو قول المذهب الشَّافعي[5]النووي، المجموع، (7/94) — الشربيني، مغني المحتاج، (1/469) والحنبلي[6]البهوتي، شرح منتهي الإرادات، (1/ 519) — ابن قدامة، المغني، (3/222) وما روي عن أبي حنيفة[7]السرخسي، المبسوط، (4/275) وما أخذ به بعض السلف مثل علي بن أبي طالب والحسن البصري والثوري و آخرون.[8]الإمام النووي، المجموع، (7/100) — القرطبي، تفسير القرطبي، (4/151)

قال ابن حزم:

“مَن لا مالَ له، ولا قوةَ جِسْمٍ إلَّا أنَّه يجِدُ مَن يحجُّ عنه بلا أجرةٍ، أو بأجرةٍ يقدِرُ عليها يجوز له ذلك” [9]ابن حزم، المحلي، الجزء 7، الصفحة 56

قال ابنُ باز:

العاجِزُ لكِبَرِ سِنٍّ أو مرضٍ لا يُرجى بُرؤُه؛ فإنَّه يلزَمُه أن يُنيبَ مَن يؤدِّي عنه الحجَّ المفروضَ والعمرةَ والمفروضةَ، إذا كان يستطيعُ ذلك بمالِه”[10]ابن باز، مجموع فتاوى ابن باز، (16/122)، الموقع الرسمي لفضيلة الإمام ابن باز

قال ابن عُثيمين:

” إن كان الإنسانُ قادرًا بمالِه دونَ بَدَنِه، فإنَّه ينيبُ مَن يحُجُّ عنه … فمَن كان قادرًا بمالِه دون بَدَنِه، فإنَّه يجب عليه أن يُقيمَ مَن يحُجُّ عنه” [11]ابن عثيمين، مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين، (21/15)

ويعتمد فقهاء الإسلام في الأخذ بهذا القول على الحديث النبوي الشريف الذي جاء فيه عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ، أنَّه قال:

” كان الفضلُ بنُ عبَّاسٍ رديفَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم، فجاءتْه امرأةٌ مِن خَثعَم تستَفتيه، فجعل الفَضلُ ينظُرُ إليها وتنظُرُ إليه، فجعل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصرِفُ وَجهَ الفَضلِ إلى الشِّقِّ الآخَرِ، قالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّ فريضةَ اللهِ على عبادِه في الحَجِّ، أدرَكَت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيعُ أن يثبُتَ على الرَّاحلةِ، أفأحُجُّ عنه؟ قال: نعم، وذلك في حجَّةِ الوداعِ”[12]الراوي: عبدالله بن عباس، المحدث: البخاري، في صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 1513،  صحيح

وهو حديث واضح عن جواز النيابة في الحج عن المسلم غير القادر على أدائه.

زوال العجز بعد النيابة في الحج

رأينا في الفقرة السابقة أن المسلم العاجز العجوز أو المريض مرضاً مزمنا لا يرجى شفاؤه وكانت له القدرة المادية على أداء مناسك الحج، فيجوز له أن يكلف شخصاً آخر لتادية الحج عنه.

ولكن ماذا لو شُفي هذا المريض، هل شرعاً يسقط عنه واجب أداء هذه الفريضة؟ أم أنّه مطالب بإعادة أداء مناسكه؟

لأهل العلم قولين في مَنِ استناب للحَجِّ ثم بَرِئَ وشفي قبل المَوتِ:

القول الأوّل: لا يحتاج إعادة أداء الحج.

يقول فريق من العلماء أن مَنِ استناب للحَجِّ ثم شفي قبل المَوتِ يُجْزِئُ عنه، وبالتالي يَسقُطُ عنه وجوب أداء الفَرْضُ، وهذا قول المذهب الحنبلي[13]المرداوي، الإنصاف، (3/287) — البهوتي، كشاف القناع، (2/391) وقول إسحاقُ بنُ رَاهَوَيه[14]الإمام النووي، المجموع، (7/102) — ابن قُدامة، المغني، (3/222) .

القول الثاني: وجب عليه إعادة أداء الفريضة.

يقول فريق آخر من أهل العلم أن النيابة في الحج لا يُجْزِئ من تجاوز المرض عن حَجِّ الفريضةِ، وبالتالي يجب عليه الحجُّ بنَفْسِه، وهذا القول هو قول المذهَبُ الحَنَفيّ[15]العيني، البناية شرح الهداية، (4/ 471) — الكمال بن الهمام، فتح القدير، (3/146) والشَّافعيّ في الأصَحِّ[16]الإمام النووي، روضة الطالبين، الجزء 3، الصفحة 14 وما اختارَه ابنُ المنذِرِ[17]ابن قدامة، المغني، الجزء 3، الصفحة 222.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

طالع كذلك: هل السواك يفطر ؟

شاهد كذلك: الحلف بغير الله

دين – مرجعي:

مرجعي: مرجعك الديني

المصادر

المصادر
1 سورة آل عمران، الآية: 97
2 ابن المنذر، الإجماع، الصفحة: 59
3 ابن قدامة، المغني، الجزء 3، الصفحة 223
4 ابن حجر، فتح الباري، الجزء 4، الصفحة 70
5 النووي، المجموع، (7/94) — الشربيني، مغني المحتاج، (1/469)
6 البهوتي، شرح منتهي الإرادات، (1/ 519) — ابن قدامة، المغني، (3/222)
7 السرخسي، المبسوط، (4/275)
8 الإمام النووي، المجموع، (7/100) — القرطبي، تفسير القرطبي، (4/151)
9 ابن حزم، المحلي، الجزء 7، الصفحة 56
10 ابن باز، مجموع فتاوى ابن باز، (16/122)، الموقع الرسمي لفضيلة الإمام ابن باز
11 ابن عثيمين، مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين، (21/15)
12 الراوي: عبدالله بن عباس، المحدث: البخاري، في صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 1513،  صحيح
13 المرداوي، الإنصاف، (3/287) — البهوتي، كشاف القناع، (2/391)
14 الإمام النووي، المجموع، (7/102) — ابن قُدامة، المغني، (3/222)
15 العيني، البناية شرح الهداية، (4/ 471) — الكمال بن الهمام، فتح القدير، (3/146)
16 الإمام النووي، روضة الطالبين، الجزء 3، الصفحة 14
17 ابن قدامة، المغني، الجزء 3، الصفحة 222
Exit mobile version