العجز عن النذر مشكلة قد يقع فيها الإنسان إذا قطع على نفسه نذرا، وهنا ينشأ السؤال حول ما يتوجب فعله، وحول حكم العجز عن قضاء النذر.
ويمكنكم الاطّلاع على تعريف النذر وحُكمه عبر هذا المقال: حكم النذر في الإسلام.
حكم العجز عن النذر
العجز عن النذر في الإسلام جاء فيه تمييز بين ثلاث حالات: العجز عن النذر بسبب عذر شرعي، والعجز بسبب عجز بدني دائم، والعجز بسبب عجز بدني مؤقت، ولكل حالة أحكامها الخاصة.
تفصيل العجز عن النذر
تابعنا في مقال سابق أن النذر مكروه ولا يجب على المسلم قطع النذور، ولكن يحدث أن يتسرع المسلم فيقطع على نفسه نذراً ويحدث أيضاً أن يعجز عن قضائه لعذر شرعي أو لعجز بدني. فماذا يجب عليه فعله.
فصّل علماء الإسلام في حكم العجز عن النذر وحدّدوا أحكامه عبر ثلاث حالات:
- العجز عن قضاء النذر بعذز شرعي.
- العجز عن قضاء النذر بسبب عجز بدني مؤقت.
- العجز عن النّذر بسبب عجز دائم.
وسنقوم بتفصيل هذه الحالات في قادم الفقرات.
اقرأ أيضاً: حكم التمائم في الإسلام.
العجز عن النذر بعذز شرعي
من قطع نذراً فعجز عن قضائه لعذر شرعي فلا شيء عليه، كأن تقطع المرأة نذراً بأن تصوم في يومٍ ثم يصادف لها ذلك اليومُ يومَ الحيض أو مرضت فيه.
وهذا هو مذهب الجمهور: الحَنفية[1]الدر المختار للحَصْكَفي وحاشية ابن عابدين، (3/737)، الفتاوى الهندية، (1/208) ، والمالكيَّة[2]الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبد البر (1/349)، التاج والإكليل، للموَّاق (2/428) ، والشافعيَّة[3]روضة الطالبين، للنووي (2/402)، تحفة المحتاج للهيتمي وحاشية العبادي، (10/84) .
والدليل على هذا الأمر هو عمومُ قولِه عز وجل في محكم التنزيل:
(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [4]سورة التغابن، الآية: 16
وفي دليل آخر، يقول الفقهاء أن المرء في هذه الحالة قد قام بإضافة النَّذر لوَقتٍ لا يُتصَور فيه، وبالتالي لا شيء عليه[5]الدر المختار للحَصْكَفي وحاشية ابن عابدين، (3/737) .
العجز عن النذر بسبب عجز مؤقت
باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحَنفية[6]تبيين الحقائق، للزَّيْلَعي (1/334)، الفتاوى الهندية، (1/209) [7]الشرنبلالي، مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح، الصفحة: 259، المالكيَّة[8]الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبد البر (1/460)، مواهب الجليل، للحطَّاب (4/296) ، الشافعيَّة[9]مغني المحتاج، للشِّرْبِيني (4/365)، نهاية المحتاج، للرَّمْلي (8/231) ، الحنابلة[10]الإقناع، للحَجَّاوي (4/362)، كشاف القناع، للبُهُوتي (6/282) ، العجز عن النذر عجزاً مؤقتاً لا يُسقِطه، ويجب على هذا العاجز أن يقضي النذر بعد زوال هذا العجز.
عن أم المؤمنين عائشه رضي اللهُ عنها، أن النبي علية افضل الصلاة والسلام قال:
(مَن نَذَرَ أنْ يُطيعَ اللهَ فلْيُطِعْهُ، ومَن نَذَرَ أنْ يَعصيَهُ فلا يَعصِهِ) [11]الراوي: عائشة أم المؤمنين، المحدث: البخاري، في: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 6696، خلاصة حكم المحدث: صحيح
ويقول الفقهاء أن قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (فلْيُطِعْهُ) هو دليلٌ على تعلُّقِه وعدَمِ سُقوطِ أدائه إلَّا بدليلٍ.[12]إرشاد الساري، للقَسْطَلَّاني (9/407)، مجموع فتاوى ابن باز، (23/178)
والدليل الثاني هو أن النذر واجب، وبالتالي فهو كباقي الواجبات لا يسقط بالعجز. [13]ابن قدامة، الكافي في فقه الإمام أحمد، الجزء 4، الصفحة 220
شاهد أيضاً: حكم تقبيل المصحف.
العجز عن قضاء النّذر لعجز دائم
يتفق جمهور أهل العلم على أن العجز عن النذر بسبب عجز دائم لا يُرجى منه شفاء تتوجب عليه الكفارة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة.
فعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما، قال:
(جاء رجُلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أُختي نذَرَتْ -يعني: أنْ تَحُجَّ ماشيةً- فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:إنَّ اللهَ لا يَصنَعُ بشَقاءِ أُختِكَ شَيئًا، فلتَحُجَّ راكبةً، ولْتُكفِّرْ عن يَمينِها) [14]الراوي: ابن عباس، المحدث: الألباني، في: صحيح أبي داود، الصفحة أو الرقم: 3304، خلاصة حكم المحدث: صحيح
ففي قولِه صلى الله عليه وسلم: (فلتَحُجَّ راكِبةً، ولْتُكَفِّرْ عن يمينِها) فأَسقَطَ عنها ما نذرَت بسبب العجز، وأَوجَب عليها إخراج الكفَّارةَ؛ ودَلَّ ذلك على تعلُّق النَّذر بذِمَّتِها.[15]المظهري، المفاتيح في شرح المصابيح، الجزء 4، الصفحة 182
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
شاهد كذلك: الحلف بغير الله.
ـــ ولمتابعة صفحتنا الرسمية عبر فايسبوك: اضغط هنا ــــ
دين – مرجعي:
المصادر
↑1 | الدر المختار للحَصْكَفي وحاشية ابن عابدين، (3/737)، الفتاوى الهندية، (1/208) |
---|---|
↑2 | الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبد البر (1/349)، التاج والإكليل، للموَّاق (2/428) |
↑3 | روضة الطالبين، للنووي (2/402)، تحفة المحتاج للهيتمي وحاشية العبادي، (10/84) |
↑4 | سورة التغابن، الآية: 16 |
↑5 | الدر المختار للحَصْكَفي وحاشية ابن عابدين، (3/737) |
↑6 | تبيين الحقائق، للزَّيْلَعي (1/334)، الفتاوى الهندية، (1/209) |
↑7 | الشرنبلالي، مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح، الصفحة: 259 |
↑8 | الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبد البر (1/460)، مواهب الجليل، للحطَّاب (4/296) |
↑9 | مغني المحتاج، للشِّرْبِيني (4/365)، نهاية المحتاج، للرَّمْلي (8/231) |
↑10 | الإقناع، للحَجَّاوي (4/362)، كشاف القناع، للبُهُوتي (6/282) |
↑11 | الراوي: عائشة أم المؤمنين، المحدث: البخاري، في: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 6696، خلاصة حكم المحدث: صحيح |
↑12 | إرشاد الساري، للقَسْطَلَّاني (9/407)، مجموع فتاوى ابن باز، (23/178) |
↑13 | ابن قدامة، الكافي في فقه الإمام أحمد، الجزء 4، الصفحة 220 |
↑14 | الراوي: ابن عباس، المحدث: الألباني، في: صحيح أبي داود، الصفحة أو الرقم: 3304، خلاصة حكم المحدث: صحيح |
↑15 | المظهري، المفاتيح في شرح المصابيح، الجزء 4، الصفحة 182 |