احتكار السلع وجهٌ من أوجه الاقتصادات العالمية الحالية وقوانين السوق الجائرة. والمقصود بالاحتكار في مقال اليوم هو أي أن يقوم الإنسان (مسلماً كان أو غير مسلم) بجمع سلعة معينة من السوق ليحصل النقص فيها ويكون بذلك البائعَ الوحيدَ لها ويحدد السعر تبعاً لما يريده هو، وهو ما يخل بتنافس السوق.
فما حكم الاحتكار في الاسلام؟
حكم احتكار السلع
بإجماع العلماء، احتكار السلع حرام شرعاً، ولا يجوز للبائع المسلم أن يحتكر سلعةً لما في ذلك ضرر بالعامة.
تفصيل حكم الاحتكار
احتكار السلع حرام شرعاً، وذلك بإجماع المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية[1]العناية، للبابرتي (10/58)، البناية، للعيني (12/209، 210)، وينظر أيضاً: بدائع الصنائع، للكاساني (5/129) ، والمالكية[2]مواهب الجليل، للحطاب (6/11، 12)، التاج والإكليل، للمواق (4/380) ، والشافعية[3]روضة الطالبين، للنووي (3/413)، تحفة المحتاج، لابن حجر الهيتمي (4/317) ، والحنابلة[4]الفروع لابن مفلح (6/179)، كشاف القناع، للبهوتي (3/187) .
اقرأ أيضاً: حكم التمائم في الاسلام
وقد قال الإمام ابن حزم في هذا الخصوص:
“الحكرة المضرة بالناس حرام، سواء في الابتياع أو في إمساك ما ابتاع، ويمنع من ذلك” [5]ابن حزم، المحلى، (7/572)
وقال الإمام ابن باز:
“لا يجوز الاحتكار في الأطعمة ولا نحوها على الصحيح مما يضر المسلمين، الذي مثلا يحجز السلع التي يحتاجها المسلمون من طعام أو غيره مما يحتاجه الناس حتى يغلو ثمنها، وحتى يرتفع وحتى يبيع على الناس بثمن مرتفع، هذا لا يجوز لا في السوق السوداء ولا في غير السوداء، لا يجوز للمسلم أن يحتكر ما يضر المسلمين احتكاره؛ حتى يبيعه في الغلاء… وبعض أهل العلم قيد هذا بالطعام، والصواب أنه لا يتقيد بالطعام، بل كل شيء احتكاره يضر المسلمين، فإنه يمنع احتكاره” [6]ابن باز، فتاوى نور على الدرب، (19/85، 86)، (بتصرف)
وقال الإمام ابن عثيمين:
” ظاهر الحديث عموم الاحتكار في كل شيء، وقيده بعض أهل العلم بالأشياء التي تكون ضرورية يضر الناس احتكارها، أما الأشياء التي ليست ضرورية فإن للإنسان أن يحتكرها كالأمور الكمالية، والصواب: العموم؛ لأن الكماليات والضروريات أمرها نسبي، فقد يكون هذا الشيء كماليا عند قوم، ضروريا عند آخرين، ولا يمكن انضباط هذا الشيء. فنقول: كل شيء يحتكره الإنسان مما يباع في الأسواق، فإنه يعتبر خاطئا” [7]ابن عثيمين، فتح ذي الجلال والإكرام، (3/596)
وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة:
” لا يجوز تخزين شيء الناس في حاجة إليه، ويسمى: الاحتكار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحتكر إلا خاطئ» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ولما في ذلك من الإضرار بالمسلمين” [8]فتاوى اللجنة الدائمة، (13/184)
الأدلة في احتكار السلع
رأينا في الفقرة السابقة أن احتكار السلع حرام شرعاً، وعرضنا أقوال كبار علماء الإسلام، لذلك في هذه الفقرة سنعرض الأدلة التي يعتمد عليها أئمة الإسلام في القول بتحريم احتكار السلع.
يعتمد فقهاء الإسلام أساساً في تحريم احتكار السلع على الحديث النبوي الشريف الذي جاء فيه:
(لا يحتكِرُ إلَّا خاطِئٌ) [9]الراوي: معمر بن أبي معمر، المحدث: الألباني، في: صحيح الترغيب، الصفحة أو الرقم : 1781، خلاصة حكم المحدث: صحيح
وفي روايةٍ أخرى:
(مَنِ احْتَكَرَ فَهو خاطِئٌ. فقِيلَ لِسَعِيدٍ: فإنَّكَ تَحْتَكِرُ، قالَ سَعِيدٌ: إنَّ مَعْمَرًا الذي كانَ يُحَدِّثُ هذا الحَدِيثَ كانَ يَحْتَكِرُ) [10]الراوي: معمر بن عبدالله بن نضلة، المحدث: مسلم، في: صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1605، خلاصة حكم المحدث: صحيح
وهذه الأحاديث واضحةٌ وصريحة في عدم جواز احتكار السلع، لما يسببه ذلك من ضرر للناس. ومعروفٌ أنّ كل ما فيه مضرة فهو بالضرورة لا يجوز.
ويمكن أن يكون الاحتكار مباحاً في حالة واحدة وهي عدم الإضرار بالآخرين، أو احتكار المواد غير الأساسية وغير المهمة، أما احتكار ما دون ذلك من السلع الأساسية الضرورية فهو حرام شرعاً، والعلة هي الإضرار بالمسلمين، وهو حرام بنص الشرع.
شاهد أيضاً: حكم تقبيل المصحف
وبالتالي فالتاجر المسلم يجب أن يتقي الله في تجارته وأن يلتزم بتعاليم الإسلام وأن يحقق قدر الإمكان النفع لنفسه والآخرين على حدٍّ سواء، لعله ينال الأجر وتكون تجارته نعمةً ووسيلةً للفوز في الآخرة لا نقمةً وسبباً في دخول النار والعياذ بالله.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
طالع كذلك: حكم الصيام دون نية
ـــ ولمتابعة صفحتنا الرسمية عبر فايسبوك: اضغط هنا ــــ
دين – مرجعي:
المصادر
↑1 | العناية، للبابرتي (10/58)، البناية، للعيني (12/209، 210)، وينظر أيضاً: بدائع الصنائع، للكاساني (5/129) |
---|---|
↑2 | مواهب الجليل، للحطاب (6/11، 12)، التاج والإكليل، للمواق (4/380) |
↑3 | روضة الطالبين، للنووي (3/413)، تحفة المحتاج، لابن حجر الهيتمي (4/317) |
↑4 | الفروع لابن مفلح (6/179)، كشاف القناع، للبهوتي (3/187) |
↑5 | ابن حزم، المحلى، (7/572) |
↑6 | ابن باز، فتاوى نور على الدرب، (19/85، 86)، (بتصرف) |
↑7 | ابن عثيمين، فتح ذي الجلال والإكرام، (3/596) |
↑8 | فتاوى اللجنة الدائمة، (13/184) |
↑9 | الراوي: معمر بن أبي معمر، المحدث: الألباني، في: صحيح الترغيب، الصفحة أو الرقم : 1781، خلاصة حكم المحدث: صحيح |
↑10 | الراوي: معمر بن عبدالله بن نضلة، المحدث: مسلم، في: صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1605، خلاصة حكم المحدث: صحيح |