حكم الوصية في الإسلام يعدّ من الأمور الواجب معرفتها، خصوصاً أن الوصية هي ضمان ووسيلة ينهجها الإنسان قبل وفاته ليبلغ من خلالها بشيء أو يوصي به، وبحكم أن الوصية مؤخراً أضحت عادةً منتشرة في الآونة الأخيرة، فلا بد من توضيح قول الشرع فيها.
فلنتابع تفاصيل الموضوع…
حكم الوصية في الإسلام
باتّفاق فقهاء الأمة، فالأصل في حكم الوصية الجواز، أي أنه يجوز للإنسان أن يكتب وصيةً قبل وفاته، وفي ذلك تفصيل.
تفصيل حكم الوصية
حكم الوصية في الإسلام جائزة باتفاق أهل العلم، وتَعتريها الأحكام الفقهية الخَمسة، فوصية الميت قد تكون واجبة، وقد تكون مُستحَبَّةً، كما قد تكون مُحرَّمةً أو مَكروهةً أو مُباحةً.
وقد فصّل الفقهاء في ذلك ووضعوا أمثلةً لهذه الأحكام:[1]تبيين الحقائق، للزَّيْلَعي (6/182)، حاشية ابن عابدين، (6/648)، مِنَح الجليل، لعُلَيْش (9/503) [2]تحفة المحتاج، لابن حجر الهَيْتَمي (7/4)، مغني المحتاج، للشربيني (3/39) [3]الإنصاف، للمَرْداوي (7/146)، كشاف القناع، للبُهُوتي (4/335)
- الوصية واجبة: لردِّ الدُّيونِ ونَحوِ ذلك.
- الوصية مستحبة: لقُربةٍ غيرِ واجبة فيها خير.
- الوصية مباحة: للأغنياء ونحوهم مِن الأقارب.
- الوصية مكروهة: لأهلِ الفُسوقِ والعصيان.
- الوصية حرام: إذا كان فيها زيادة على الثُّلثِ، وخاصَّةً إذا كان بهدف ونية حِرمان الورَثة من حقهم الشرعي.
وقد نقَل الإجماعَ على كون حكم الوصية هو الجواز كلٌّ من ابنُ حَزم، وابن عبد البر ، والكاساني، وابن رشد، وابن قدامة.
اقرأ أيضاً: حكم التمائم في الاسلام
قال الإمام ابن حزم:
“اتفقوا… أن الوصية بالبر، وبما ليس برا، ولا معصية، ولا تضييعا للمال؛ جائزة… واتفقوا أن وصية العاقل البالغ، الحر المسلم، المصلح لماله؛ نافذة”[4]ابن حزم، مراتب الإجماع، الصفحة: 113
قال الإمام ابن عبد البر:
“اتفق فقهاء الأمصار على أن الوصية مندوب إليها، مرغوب فيها، وأنها جائزة لمن أوصى في كل مال، قل أو كثر، ما لم يتجاوز الثلث” [5]ابن عبد البر، الاستذكار، (7/263)
قال الإمام الكاساني:
” هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان جواز الوصية… فالقياس يأبى جواز الوصية… إلا أنهم استحسنوا جوازها بالكتاب العزيز، والسنة الكريمة، والإجماع” [6]الكاسَاني، بدائع الصنائع، الجزء 7، الصفحة 330
قال العالِم ابن رشد:
“الوصية بالجملة هي هبة الرجل ما له لشخص آخر، أو لأشخاص بعد موته، أو عتق غلامه، سواء صرح بلفظ الوصية، أو لم يصرح به، وهذا العقد هو من العقود الجائزة باتفاق” [7]الكاساني، بداية المجتهد، الجزء 2، الصفحة 336
وقال الإمام ابن قدامة:
“أجمع العلماء في جميع الأمصار والأعصار على جواز الوصية”[8]ابن قدامة، المغني، الجزء 6، الصفحة 137
الأدلة في حكم الوصية
يستند علماء الإسلام في الحسم في حكم الوصية في الإسلام والقول بجوازها إلى مجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.
يقول الله عز وجل في محكم التنزيل:
(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [9]سورة البقرة، الآية: 180
وفي آية أخرى، قال تعالى:
(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ إلى قولِه: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) [10]سورة النساء، الآية: 11 12
ووجه التدليل في هاتين الآيتين الكريمتين، هو أن الله عز وعلا شأنه شرع الميراث لعباده وجعله بعد الوصية، وهو ما يدل على أن حكم الوصية هو الجواز. [11]الكاساني، بدائع الصنائِع، الجزء 7، الصفحة 330
ويقول الله تعالى في آية أخرى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) [12]سورة المائدة، الآية 106
وفي هذه الآية قد ندب الله عز وجل إلى الإشهاد على حال الوصية، وهو ما يدل على أنها مشروعة.
وفي الأحاديث النبوية الشريفة، نجد أن عن عبد الله بن عمر رضوان الله عليهما أن الرسول صلى الله عليه وسلَّم قال:
(ما حَقُّ امرِئٍ مسلِمٍ له شَيءٌ يُوصِي فيه يَبِيتُ ليلَتَينِ، إلَّا ووَصيَّتُه مَكتوبةٌ عندَه)[13]الراوي: عبدالله بن عمر، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 2738، خلاصة حكم المحدث: صحيح
وفي حديث آخر، جاء عن سَعدِ بن أبي وقَّاص رَضِي الله عنه أنه قال:
(كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعودُني وأنا مَريضٌ بمكَّةَ، فقلتُ: لي مالٌ، أُوصي بمالي كلِّه؟ قال: لا. قلتُ: فالشَّطرِ؟ قال: لا. قلتُ: فالثُّلُثِ؟ قال: الثُّلُثُ، والثُّلُثُ كثيرٌ؛ أنْ تَدَعَ ورَثتَك أغنياءَ خيرٌ مِن أنْ تدَعَهم عالَةً يَتكَفَّفونَ الناسَ في أيديِهم، ومهما أنفقْتَ فهو لك صَدقةٌ، حتى اللُّقْمةَ تَرفَعُها فِي فِي امرأتِك، ولعَلَّ اللهَ يَرفَعُك يَنتَفِعُ بك ناسٌ، ويُضَرُّ بك آخَرونَ )[14]الراوي: سعد بن أبي وقاص، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 2742، خلاصة حكم المحدث: صحيح
ومن هذا الحديث يتضح جلياً أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلَّم أجاز الوصية بالثُّلث.[15]الكاساني، بدائع الصنائع، الجزء 7، الصفحة 330
إذن خلاصة القول في حكم الوصية أنها جائزة، ولكن يجب الحرص على تجنب المحضورات فيها (والتي سبق ذكرها)
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
اقرأ أيضاً: حكم صيام يوم الشك
ـــ ولمتابعة صفحتنا الرسمية عبر فايسبوك: اضغط هنا ــــ
دين – مرجعي:
المصادر
↑1 | تبيين الحقائق، للزَّيْلَعي (6/182)، حاشية ابن عابدين، (6/648)، مِنَح الجليل، لعُلَيْش (9/503) |
---|---|
↑2 | تحفة المحتاج، لابن حجر الهَيْتَمي (7/4)، مغني المحتاج، للشربيني (3/39) |
↑3 | الإنصاف، للمَرْداوي (7/146)، كشاف القناع، للبُهُوتي (4/335) |
↑4 | ابن حزم، مراتب الإجماع، الصفحة: 113 |
↑5 | ابن عبد البر، الاستذكار، (7/263) |
↑6 | الكاسَاني، بدائع الصنائع، الجزء 7، الصفحة 330 |
↑7 | الكاساني، بداية المجتهد، الجزء 2، الصفحة 336 |
↑8 | ابن قدامة، المغني، الجزء 6، الصفحة 137 |
↑9 | سورة البقرة، الآية: 180 |
↑10 | سورة النساء، الآية: 11 12 |
↑11 | الكاساني، بدائع الصنائِع، الجزء 7، الصفحة 330 |
↑12 | سورة المائدة، الآية 106 |
↑13 | الراوي: عبدالله بن عمر، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 2738، خلاصة حكم المحدث: صحيح |
↑14 | الراوي: سعد بن أبي وقاص، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 2742، خلاصة حكم المحدث: صحيح |
↑15 | الكاساني، بدائع الصنائع، الجزء 7، الصفحة 330 |