حكم الغيبة هو أمر يجب أن يعرفه كل مسلم ومسلمة، لذلك مقالنا لهذا اليوم سيكون بهدف تبيان حكم الغيبة وتفصيل ما يتعلق بهذه الخصلة المذمومة من أحكام شرعية.
فما حكم الغيبة في الإسلام؟
حكم الغيبة في الإسلام
بإجماع أهل العلم، الغيبة حرام شرعاً وإثمها كبير، وتدخل في الكبائر لما لها من آثار إجتماعية سلبية.
تفصيل حكم الغيبة في الإسلام
الغِيبة هي ذكر المرء بما يكرهه بظهر الغيب بلفظ أو بإشارة أو غير ذلك. ويعرَّفها الجوهري بالقول:
“الغيبة هي أنْ يتكلَّم خلف إنسانٍ مستور بما يَغُمُّه لو سمعه، فإن كان صدقًا سُمِّيَ غِيبَةً، وإن كان كذبًا سمِّي بُهتانًا”[1]الجوهري، الصحاح في اللغة، الجزء 1، الصفحة 196
يجمع العلماء في حكم الغيبة في الإسلام على أنها محرمة في الشرع، بل أنها كبيرة من الكبائر.
قال ابن كثير:
” والغِيبةُ محرَّمةٌ بالإجماع، ولا يُستثنى من ذلك، إلا ما رجحت مصلحته، كما في الجرح والتعديل، والنصيحة” [2]ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، (7/380)
وقال ابن حجر الهيتمي:
“الذي دلت عليه الدلائل الكثيرة الصحيحة الظاهرة، أنَّ الغيبة كبيرة، لكنها تختلف عظمًا، وضده بحسب اختلاف مفسدتها. وقد جعلها من أوتي جوامع الكلم عديلة غصب المال، وقتل النفس، بقوله صلى اللّه عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه)[3]رواه مسلم (2564 والغصب والقتل كبيرتان إجماعًا، فكذا الغيبة”[4]ابن حجر الهيتمي، الزواجر، (2/555)
وعن الإمام الشَّعبي رحمه الله:
” أنَّ العبَّاس بن عبد المطَّلب قال لابنه عبد الله: يا بنيَّ، أرى أمير المؤمنين يدنيك، فاحفظ منِّي خصالًا ثلاثًا: لا تغتب من له سرٌّ، ولا يسمعنَّ منك كذبًا، ولا تغتابنَّ عنده أحدًا”
ويحكى أنه مرَّ ابن سِيرين بقوم، فقام إليه رجل منهم فقال له:
“يا أبا بكر، إنّا قد نِلْنا منك فحَلِّلنا. فقال: (إني لا أحِلُّ لك ما حَرَّم الله عليك. فأمَّا ما كان إليَّ فهو لكم)”[5]أبو بكر الدينوري، المجالسة وجواهر العلم، (3/54)
أي أنه مرَّ بقوم وكانوا يغتابونه فطلب منه أحدهم أن يصفح عنهم ويجعل حكم الغيبة حلالا فأجابه أنه لن يُحِلّ لهم ما حرم الله.
شاهد أيضاً: حكم تقبيل المصحف
ذم الغيبة والنهي عنها في القرآن الكريم
سواءً في القرآن أو في السنة، جاءت مجموعة من الأدلة في النهي عن الغيبة وذمها.
قال الله تعالى في محكم تنزيله:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) [6]سورة الحجرات، الآية 12
وقال عز وجل في آية أخرى:
( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [7]سورة الإسراء، الآية: 36
وقال الرازي في تفسيره لهذه الآية أن القفو هو البهت، وأن أصله من القفا، ويعني أن يقال خلفه بما يسوءه، وهو يدخل في إطار ومعنى الغِيبة. [8]الرازي، مفاتيح الغيب، (20/339)
أما في السنة النبوية الشريفة، فقد جاء عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته” [9]الراوي: أبو هريرة، المحدث: الألباني، في: صحيح الجامع، الصفحة أو الرقم: 86، خلاصة حكم المحدث: صحيح
اقرأ أيضاً: حكم التمائم في الإسلام
الغيبة والنميمة والإِفك والبُهتان
قد يختلط على المسلم مفهوم الغيبة ومفهوم النميمة والإفك والبهتان، وفي هذه الفقرة سنتطرق للفروقات بين الغيبة والإفك والبهتان.
فصّل الإمام الحسن في الفرق بين الغيبة والإفك والبهتان، حيث قال:
“الغِيبة ثلاثة أوجه -كلها في كتاب الله تعالى-: الغيبة، والإفك، والبهتان. فأمَّا الغيبة، فهو أن تقول في أخيك ما هو فيه. وأما الإفك، فأن تقول فيه ما بلغك عنه. وأما البهتان، فأن تقول فيه ما ليس فيه”[10]القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، (16/335)
وقال الإمام الجرجاني:
” الغِيبة ذكرٌ مساوئ الإنسان التي فيه في غِيبة. والبهتان ذكر مساوئ الإنسان، وهي ليست فيه”[11]الجرجاني، التعريفات، الصفحة 210
وخلاصة القول أن المسلم يجب عليه أن يمسك لسانه عن الناس، وأن لا يغتاب أحداً، لأنه بذلك قد يرتكب كبيرة من الكبائر، كما فصّلنا في حكم الغيبة في سطور هذا المقال. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
طالع كذلك: حكم الصيام دون نية
ـــ ولمتابعة صفحتنا الرسمية عبر فايسبوك: اضغط هنا ــــ
دين – مرجعي:
المصادر
↑1 | الجوهري، الصحاح في اللغة، الجزء 1، الصفحة 196 |
---|---|
↑2 | ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، (7/380) |
↑3 | رواه مسلم (2564 |
↑4 | ابن حجر الهيتمي، الزواجر، (2/555) |
↑5 | أبو بكر الدينوري، المجالسة وجواهر العلم، (3/54) |
↑6 | سورة الحجرات، الآية 12 |
↑7 | سورة الإسراء، الآية: 36 |
↑8 | الرازي، مفاتيح الغيب، (20/339) |
↑9 | الراوي: أبو هريرة، المحدث: الألباني، في: صحيح الجامع، الصفحة أو الرقم: 86، خلاصة حكم المحدث: صحيح |
↑10 | القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، (16/335) |
↑11 | الجرجاني، التعريفات، الصفحة 210 |