عقوق الوالدين الكافرين والفاسقَين إشكاليةٌ تُطرَح كثيراً، من حيث التعارض بين دين الأبوين وبين الواجب الأسري، فهل إذا كان الوالدَين كافرَين أو فاسقَين يجوز إهمالهما وعدم الاعتناء بهما؟
ويمكنكم قبل ذلك مطالعة: حكم عقوق الوالدين بشكل عام.
حكم عقوق الوالدين الكافرين
عقوق الوالدين الكافرين إثـمٌ كبير، ولا يجوز شرعاً، حيث أنّ كُفر وفسق الأبوين لا يبيح في الشرع التنكيلَ بهما أوالتجاوز في حقهما.
تفصيل حكم عقوق الوالدين
رأينا في مقال سابق أن عقوق الوالدين يُـعدّ كبيرة من الكبائر، ولكن هل بكفر الوالدين وفسقهما يسقط هذا الحكم؟
باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية[1]شرح مختصر الطحاوي، (5/306) — المرغيناني، الهداية، (2/46) —الكاساني، بدائع الصنائع، (4/36) ، والمالكية [2]ابن ابو زيد القيرواني، الرسالة، الصفحة: 153 [3]حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني، (2/424)، النفراوي، الفواكه الدواني، (2/290) ، والشافعية[4]الإمام النووي، منهاج الطالبين، الصفحة 265 [5]الشربيني، مغني المحتاج، (3/446) ، والحنابلة[6]البهوتي، كشاف القناع، (2/386) — الرحيباني، مطالب أولي النهي، (2/277) — ابن مفلح، الآداب الشرعية (1 /433) — السفاريني، … Continue reading [7]ابو علي الهاشمي، الإرشاد إلى سبيل الرشاد، الصفحة 531، لا يجوز الإضرار بالوالدَين رغم كفرهما وفسقهما، ويجب البر بهما ومعاشرتهما بالحسنى، وبه ـــ وبنص الشرع ـــ عقوق الوالدين الكافرين إثم عظيم.
شاهد أيضاً: حكم تقبيل المصحف
شاهد كذلك: الحلف بغير الله
الأدلة في عقوق الوالدين الكافرين
جاءت مجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي يُفهم منها أن عقوق الوالدين الكافرين لا يجوز وفاعله آثِـمٌ شرعاً.
قال تعالى:
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [8]سورة لقمان، الآية 14- 15
فعبارة (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) هي دليل على وُجوبِ البر بالوالدين ولو على كانا فاسقين وكافِرَين[9]ابن باز، عقوق الوالدين الكافرين، الموقع الرسمي لفضيلة الإمام ابن باز.
وفي الإسلام، استحقاق الطاعة يكون لوجه الله تعالى، وبه فالكفر والفسق ليس له تأثير، وبالتالي فالكفر لا تأثير له في تحريم عقوق الوالدين الكافرين. حيث يقول عز وجل:
(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [10]سورة الممتحنة، الآية 8
وفي آية أخرى:
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) [11]سورة البقرة، الآية: 272
وفي دليل آخر، يقول علماء الإسلام أن آية البر بالوالدين جاءت عامة وشاملة، ولم تفرق بين عقوق الوالدين الصالحَين وبين عقوق الوالدين الكافرين. يقول تعالى:
(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [12]سورة الإسراء: الآية 23 – 24
ونفس المعنى أتى به الحديث النبوي الشريف الذي جاء فيه عن أسماء بنت أبي بكر رضوان الله عليهما:
“قَدِمَت عليَّ أمِّي وهي مُشرِكةٌ في عَهدِ قُرَيشٍ -إذ عاهَدوا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ومُدَّتِهم، مع أبيها -واسمه الحارث-، فاستفْتَت رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أمي قَدِمَت عليَّ وهي راغِبةٌ، أفأصِلُها؟ قال: نعَمْ، صِلِيها”[13]الراوي: أسماء بنت أبي بكر، المحدث: البخاري، في صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 2620، خلاصة حكم المحدث: صحيح
وفي هذا الحديث يتضح جواز صِلة الأبوين المشركَين والبرّ بهما.[14]القاضي عياض، إكمال المُعْلِم بفوائد مسلم، الجزء 3، الصفحة 523
وبه فـإن عقوق الوالدين الكافرين والفاسقَين لا يجوز على وجه الإطلاق.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
اقرأ أيضاً: الإغماء في نهار رمضان
دين – مرجعي:
المصادر
↑1 | شرح مختصر الطحاوي، (5/306) — المرغيناني، الهداية، (2/46) —الكاساني، بدائع الصنائع، (4/36) |
---|---|
↑2 | ابن ابو زيد القيرواني، الرسالة، الصفحة: 153 |
↑3 | حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني، (2/424)، النفراوي، الفواكه الدواني، (2/290) |
↑4 | الإمام النووي، منهاج الطالبين، الصفحة 265 |
↑5 | الشربيني، مغني المحتاج، (3/446) |
↑6 | البهوتي، كشاف القناع، (2/386) — الرحيباني، مطالب أولي النهي، (2/277) — ابن مفلح، الآداب الشرعية (1 /433) — السفاريني، غذاء الألباب، (1/381) |
↑7 | ابو علي الهاشمي، الإرشاد إلى سبيل الرشاد، الصفحة 531 |
↑8 | سورة لقمان، الآية 14- 15 |
↑9 | ابن باز، عقوق الوالدين الكافرين، الموقع الرسمي لفضيلة الإمام ابن باز |
↑10 | سورة الممتحنة، الآية 8 |
↑11 | سورة البقرة، الآية: 272 |
↑12 | سورة الإسراء: الآية 23 – 24 |
↑13 | الراوي: أسماء بنت أبي بكر، المحدث: البخاري، في صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 2620، خلاصة حكم المحدث: صحيح |
↑14 | القاضي عياض، إكمال المُعْلِم بفوائد مسلم، الجزء 3، الصفحة 523 |