حكم التقليد في أصول الدين
حكم التقليد هو ما سيكون محور مقالنا لهذا اليوم، وفيه سنُـبَـيِّـنُ قول الشرع في التقليد واتباع الغير، وسنفصل في هذا الموضوع تفصيلاً.
ولا بد أن يتم تعريف التقليد المقصود به في هذا المقال.
جدول المحتويات
حكم التقليد في الإسلام
حكم التقليد هو الجواز والإباحة إذا تـمَّ في أمور الخير، والكراهة والتحريم إذا تَــمّ تقليد الآخر في أمور الشر.
تفصيل حكم التقليد
التقليد هو اتّباع الإنسان لغيره فيما يقوله أو يفعله، دون تفكير ونظر وتأمل في الدليل، ويعرِّفُ شيخ الإسلام ابن تيمية التقليد بقوله أنه قبول القول بغير دليل ويتحدد حكم التقليد بالنظر لطبيعة ما يتابع فيه المُقلِّد غيره، إذا كان هذا الشيء طيبا، كان تقليده مقبولاً، وإذا كفرًا كان تقليده له كفرًا، وإذا كان بدعةً صار فعله بدعة، وإذا كان فسقًا كان فعله فسقًا وفجوراً، وهكذا دواليك.
اقرأ أيضاً: حكم النميمة في الإسلام.
التقليد المحمود والمذموم
يتفرع حكم التقليد إلى صنفين: تقليد محمود وتقليد مذموم، بحيث أن التقليد المحمود أمَر الإسلام العباد بالالتزام به، بينما نهى عن التقليد المذموم.
وسيتم توضيح الصنفين في الفقرتين المقبلتين.
التقليد المحمود
يدخل ضمن التقليد المحمود مجموعة من الأمثلة، كاتباع النبي صلى الله عليه وسلم وتقليده في كل شيء، وكذا اتباع أهل العلم، وتقليد ما عليه الإجماع.
تقليد النبي صلى الله عليه وسلم: جاءت نصوص كثيرة تأمر باتِّباع النَّبي صلى الله عليه وسلم وتقليده في أمور الدين. ومِن ذلك قوله تعالى في محكم تنزيله:
(اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ) [1]سورة الأعراف، الآية: 3
وقال عز وجل في آية أخرى:
(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) [2]سورة المائدة، الآية: 92
والآيات في وجوب اتِّباع المسلم للرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة، بل ولا يصح دين الإنسان إلَّا بذلك.
تقليد أهل العلم: يجوز للمسلم العاميّ غير المتفقّه في الدين أن يقلد العلماء ممن ثبت صحة فِكرهم وقولهم. قال الإمام الشنقيطي في هذا الخصوص:
“أما التَّقليد الجائز الذي لا يكاد يخالف فيه أحد من المسلمين، فهو تقليد العامِّي عالمًا أهلًا للفتيا في نازلة نزلت به، وهذا النَّوع من التَّقليد كان شائعًا في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم ولا خلاف فيه… وبعض العلماء يقول: إن تقليد العامِّي المذكور للعالم وعمله بفتياه من الاتبِّاع لا من التَّقليد. والصَّواب: أن ذلك تقليد مشروع مجمع على مشروعيته” [3]الشنقيطي، أضواء البيان، الجزء 7، الصفحة 306
تقليد ما عليه الإجماع: لأنَّ الإجماع يعد مِن سبيل المؤمنين، وقد قال الله عز وجل في محكم التنزيل:
(وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا) [4]سورة النَّساء، الآية: 115
وقال الشيخ ابن الصَّلاح:
“مَن خالف إجماع المسلمين فعليه ما في قوله تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا)” [5]ابن الصَّلاح في أدب المفتي والمستفتي، الجزء 2، الصفحة 500
شاهد أيضاً: حكم تقبيل المصحف
التقليد المذموم
يمكن أن يكون حكم التقليد هو التحريم، وذلك في حالة تقليد الآخر في ما لا يصح وفي الحرام أو في الأقوال الشاذة وفي البدع.
وقد جاء التحذير من هذا النوع من التقليد في القرآن الكريم كما جاء في السنة النبوية الشريفة.
يقول الله تعالى:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) [6]سورة [البقرة، الآية: 170
وفي آية أخرى:
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ)[7]سورة [البقرة، الآية: 171
وفي الحديث النبوي الشريف جاء عن عدي بن حاتم:
(أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب، فقال لي: يا عدي بن حاتم، ألق هذا الوثن من عنقك. وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ) قال: قلت: يا رسول الله، إنا لم نتخذهم أربابًا، قال: بلى، أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه، ويحرموه عليكم ما أحل الله لكم فتحرمونه؟ فقلت: بلى، قال: تلك عبادتهم )[8]الراوي: عدي بن حاتم الطائي، المحدث: الألباني، في : صحيح الترمذي، الصفحة أو الرقم: 3095، خلاصة حكم المحدث: حسن
اقرأ أيضاً: حكم التمائم في الإسلام
بعد التفصيل في حكم التقليد في الإسلام، يمكن القول أن المسلم إذن يجب عليه أن يسارع ويُكثر من التقليد في أمور الخير، وأن لا يقلّد تقليداً أعمى كي لا يسقط في فخ البدع أو التشبه بالكفار. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
طالع كذلك: حكم الغيبة في الإسلام.
ـــ ولمتابعة صفحتنا الرسمية عبر فايسبوك: اضغط هنا ــــ
دين – مرجعي:
المصادر
↑1 | سورة الأعراف، الآية: 3 |
---|---|
↑2 | سورة المائدة، الآية: 92 |
↑3 | الشنقيطي، أضواء البيان، الجزء 7، الصفحة 306 |
↑4 | سورة النَّساء، الآية: 115 |
↑5 | ابن الصَّلاح في أدب المفتي والمستفتي، الجزء 2، الصفحة 500 |
↑6 | سورة [البقرة، الآية: 170 |
↑7 | سورة [البقرة، الآية: 171 |
↑8 | الراوي: عدي بن حاتم الطائي، المحدث: الألباني، في : صحيح الترمذي، الصفحة أو الرقم: 3095، خلاصة حكم المحدث: حسن |