السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، هل تقبل الصلاة بدون وضوء؟ لقد وضع الاسلام شروطا وقواعد للعبادات، بحيث لا تصح هذه العبادات بدون هذه الشروط، وفي الاسلام خاصة تتداخل العبادات فيما بينها وتتناغم، ووضع لكل عبادة أركانها الخاصة، وألزم الصلاة بالوضوء، فما حكم من صلى ولم يتوضأ؟
جدول المحتويات
حكم الصلاة بدون وضوء
أجمع علماء الأمة على أن الصلاة دون وضوء صلاة باطلة، إلا في بعض الحالات.
تفصيل حكم الصلاة دون وضوء
على وجه الشمول، لا تصح الصلاة بدون وضوء، حيث أن الوضوء شرط من شروط صحة الصلاة[1]راشد العبد الكريم، الدروس اليومية من السنن والأحكام الشرعية، الصفحة 98، (بتصرف) [2]أبو إسحاق الحويني، دروس للشيخ أبو إسحاق الحويني، الجزء 61، الصفحة 7، (بتصرف) [3]مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، الجزء 43، الصفحة 319، (بتصرف) ، وفيه تفصيل بين ترك الوضوء عمداً أو نسياناً أو مكرهاً.
وجاء في وجوب الوضوء قبل الصلاة عدد من الأدلة، على غرار قوله عز وجل:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ و أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ و أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ و إِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ و لَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ و لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[4]سورة المائدة، الآية 6
وهي آية صريحة توجب الوضوء قبل الصلاة، لذلك لقبها الإمام القرطبي بأنها آية الوضوء[5]عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، الجزء 1، الصفحة 45.
وفي السنة النبوية وردت أحاديث كثيرة في بطلان الصلاة بدون وضوء، وفي وجوب الوضوء عند الصلاة، وتقول ببطلان الصلاة بدون وضوء، فعن عبد الله ابن عمر رضوان الله عليه أنه قال:
“دَخَلَ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ علَى ابْنِ عامِرٍ يَعُودُهُ(يزوره) و هو مَرِيضٌ فقالَ: ألا تَدْعُو اللَّهَ لي يا ابْنَ عُمَرَ؟ قالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه و سلَّمَ يقولُ: لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بغيرِ طُهُورٍ ولا صَدَقَةٌ مِن غُلُولٍ. و كُنْتَ علَى البَصْرَةِ”[6]الراوي: مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 224، صحيح.
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام:
“لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أحَدِكُمْ إذا أحْدَثَ حتَّى يَتَوَضَّأَ”[7]الراوي: البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6667، صحيح
وقد أجمعت الاُمَّة الإسلاميَّة على وجوب الوضوء وبطلان الصلاة بدونه، وبالتالي فهو شرط أساسي لصحة الصلاة،[8]حمود التويجري، غربة الإسلام، الجزء 1، الصفحة 318، (بتصرف) [9]أحمد الحازمي، شرح قواعد الأصول ومعاقد الفصول، الجزء 4، الصفحة 24، (بتصرّف) ، وإذا تعذر الوضوء وجب التيمم.
ولكن ما حكم الصلاة بدون وضوء نسياناً؟ وما حكمها إذا تعمد المصلى ذلك؟ وهل تقبل صلاته إذا تعذر عليه الوضوء؟
اقرأ أيضاً: حكم تقبيل المصحف ؟
اعرف: حكم التمائم في الاسلام
ترك الوضوء عمدا
في الفقرة السابقة جاء أن الصلاة بدون وضوء باطلة، ومنه فصلاة من تعمد عدم الوضوء باطلة، بل أنه يؤثم باعتباره يستهتر بتعاليم الدين[10]محمد بن عبد الوهاب، مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام بن تيمية، الصفحة 158-159. (بتصرّف) .
فالعالِم العارف المدرك لوجوب الوضوء قبل الصلاة يؤثم إثما عظيماً إذا صلى بدون وضوء، حيث أن هذا يدخل في إطار الاستهزاء بالدين واللعب بما لا يجوز اللعب فيه، ومن ترك واجباً من واجبات الدين فإنه بذلك قد ترك جزءا من الدين ويعاقب على ذلك.
ويتفق العلماء على أن من أتى هذا الفعل وجب عليه إعادة الصلاة والإكثار من الاستغفار لعل الله يغفر له، حيث أن هذا التصرف يعدّ عند جمهور العلماء كبيرة من الكبائر[11]مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، الجزء 43، الصفحة 320، (بتصرف) .
الصلاة بدون وضوء لمن نسي
الصلاة بدون وضوء لا تصح إذا نسي الانسان أن يتوضأ، وعليه أن يعيد صلاته فور تذكره لعدم وضوئه، بمعنى أن الانسان إذا صلى ونسي أن يتوضأ ثم بعد فترةٍ تذكر أنه قد نسي أن يتوضأ فإن صلاته تسقط ويتوجب عليه أن يعيدها، أما إذا نسي أن يتوضأ فصلى وظل ناسيا لعدم وضوئه فإن صلاته جائزة مقبولة[12]ابن رجب الحنبلي، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، الجزء2، الصفحة 367، (بتصرف) [13]محمد الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، الصفحة 14، (بتصرّف) .
حيث أن الله تعالى تجاوز عن عباده ما لا يدخل في نطاق إرادتهم وتحَكّمهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إنَّ اللهَ تجاوز عن أمَّتي الخطأَ والنسيانَ وما استُكرِهوا عليه”[14]الراوي: الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 6248، صحيح بمجموع طرقه.
قد يهمك: حكم صيام يوم الشك
اكتشف حكم الجماع في نهار رمضان
عدم وضوء من تعذر عليه ذلك
قال الشرع ببطلان الصلاة بدون وضوء لمن تعمّد أن لا يتوضأ، وبصحة صلاة الناسي مادام لم يتذكر، فماذا عن من تعذر عليه الوضوء وتعذر عليه التيمم، كأن لا يجد صعيداً طيبا يتيمم عليه، أو كأن يكون عاجزا عن تحريك يديه بسبب مرض أو علة، أو المسجون المربوط المُقيَّدة يده؟
يتفق جمهور أهل العلم أن من وجد نفسه في هذا الوضع يجوز له أن يصلي دون وضوء، حيث أنه يطلق عليه “فاقد الطهورين”، و لِـفاقد الطهورين أحكام خاصة[15]مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، الجزء 11، الصفحة 11061، (بتصرف) .
واختلف أهل العلم في قضائها، حيث ذهب البعض للقول بأنه يستحب أن يعيد هذه الصلاة بعد زوال المانع، وبين من يقول أنه في حكم الحائض فتسقط عنه تلك الصلاة. والأسلم للمسلم أن يقضيها بعد خروجه من الوضع لو كان في استطاعتِه ذلك (إذا لم تكن مثلاً صلاة ثلاث سنوات أو مثل ذلك)، والحمد لله أنه على كل حال لا يُـؤثم حتى لو لم يقضيها[16]أحمد الصاوي،حاشية الصاوي على الشرح الصغير، الجزء 1، الصفحة 262، (بتصرّف) [17]حسين العوايشة، الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة، الجزء1، الصفحة 252-253، (بتصرف) .
والله تعالى أعلى وأعلم.
إليك: حكم الإغماء في نهار رمضان
قد يهمك: حكم الصيام دون نية
دين – مرجعي:
المصادر
↑1 | راشد العبد الكريم، الدروس اليومية من السنن والأحكام الشرعية، الصفحة 98، (بتصرف) |
---|---|
↑2 | أبو إسحاق الحويني، دروس للشيخ أبو إسحاق الحويني، الجزء 61، الصفحة 7، (بتصرف) |
↑3 | مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، الجزء 43، الصفحة 319، (بتصرف) |
↑4 | سورة المائدة، الآية 6 |
↑5 | عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، الجزء 1، الصفحة 45 |
↑6 | الراوي: مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 224، صحيح |
↑7 | الراوي: البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6667، صحيح |
↑8 | حمود التويجري، غربة الإسلام، الجزء 1، الصفحة 318، (بتصرف) |
↑9 | أحمد الحازمي، شرح قواعد الأصول ومعاقد الفصول، الجزء 4، الصفحة 24، (بتصرّف) |
↑10 | محمد بن عبد الوهاب، مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام بن تيمية، الصفحة 158-159. (بتصرّف) |
↑11 | مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، الجزء 43، الصفحة 320، (بتصرف) |
↑12 | ابن رجب الحنبلي، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، الجزء2، الصفحة 367، (بتصرف) |
↑13 | محمد الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، الصفحة 14، (بتصرّف) |
↑14 | الراوي: الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 6248، صحيح بمجموع طرقه |
↑15 | مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، الجزء 11، الصفحة 11061، (بتصرف) |
↑16 | أحمد الصاوي،حاشية الصاوي على الشرح الصغير، الجزء 1، الصفحة 262، (بتصرّف) |
↑17 | حسين العوايشة، الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة، الجزء1، الصفحة 252-253، (بتصرف) |